~ هل كنت أنت ؟! ~

~ هل كنت أنت ؟! ~


إنه ليس يوم كباقي الأيام ، مع أنه يأتي مرارا و يعود تكرارا ؛ أنه يوم الذكريات ، يأتي دون سابق إنذار ، يجلب لنا أحيانا ابتسامات بطعم الألم ، و دموع بطعم الندم مرات كثيرة ، و لا يخلو من آهات الاشتياق و يغادرنا محملا بأسئلة بطعم الفضول ....ماذا ؟ و لماذا ؟ كيف .... و هل ؟ كلها عناوين مختلفة لذلك اليوم ....
ها هي * يون سو * ذلك اليوم الغريب و هي تمر في ذلك الشارع على غير عادتها ، ما الذي أحضرها إلى هذا المكان هل تراها ذكرياتها النائمة استيقظت ؟ ها هي تنظر إلى وجهها في زجاج واجهة تلك المكتبة ، لتبتسم لا إراديا ، ثم تشرد بأفكارها قليلا لتعود بالزمن سنة و نصف إلى الوراء :
خال قلبها من الهموم مفعم بالأحلام كلها طموح و شغفها بالحياة كبير ، فتاة كباقي الفتيات ، تريد أن تفعل ذالك و ذاك ، تحب أن تلبس من ذاك و ذاك ، فتاة هادئة خجولة المظهر ، مرحة مشاغبة المعشر ، مدللة أبيها و صديقة أمها ، و لأختها كشاطئ من الإزعاج و بحر من الحنان ... كانت تلك * أو يون سو *
ها هي تركض و تركض لابد أن تصل إلى هناك فهي بألح الحاجة إلى ذاك الكتاب ، و صلت ، لكنها لا تزال تقف أمام الباب و هي تلهث من تعبها و إرهاقها ، غريبة هي ، كيف تتوقف بعد أن وصلت إلى مقصدها ، تلك هي ساذجة بعض الأحيان ، هاهي أنفاسها تعود إلى طبيعتها ، تستجمع طاقتها و تريد أن تفتح الباب ، لكن هناك من سبقها إليه ببضع ثوان ، فتحه و دخل قلبها ....
لم تبالي بالأمر كثيرا فهي كانت مجرد خطوة خطاها شاب قبلها إلى داخل المكتبة القريبة من حيها ، هي خطوة لكنها كانت كرياح عاصفة قلبت إشارة الطريق لتأخذها إلى وجهة غير وجهتها أو قد تؤدي إلى تلك الوجهة لكن قد تستغرق وقتا أطول بقليل ...
لم تنتبه إلى أهمية الخطوة حتى لمحت ذلك الكتاب في يد الشاب ، لا كيف حصل ذلك أنا أتيت هنا أولا ، لا ، لا ، إنها أخر نسخة موجودة ، لا لا أنا احتاجه اليوم ، أريده اليوم ، انه هدية عيد ميلاد أمي ، كل ذالك كان يدور في فكرها بمجرد رؤيتها الكتاب ،
تتقدم منه و هو يهم بدفع ثمن الكتاب ، لم تقل شيء فقط لا تزال تقترب و تقترب ، لتمسك الكتاب بكلتا يديها و بقوة ، و هي تصرخ ، معبرة عن رغبتها الشديدة في الحصول على ذلك الكتاب ، لتكون علامات الحيرة و الاستفهام أول انطباع تتركه عند * بارك شي هو *
من هي و لماذا تصرخ هكذا ؟! هذا ما كان يفكر فيه وقتها، لم يعلم أن ذلك الصراخ سيوقظه من سباته الذي دخل فيه من ذو وقت ليس ببعيد... يتبادلان نظرات غريبة، هي ترجو عطفه و فضله حتى يترك الكتاب أما هو فمازالت حيرته تعلو وجهه....
ليس من الأشخاص الذين سيهتمون بذلك طويلا، هاهو يبعد يدها عن الكتاب و يهز بأكتافه، متجاهلا وجودها، يترك ثمن الكتاب على الطاولة و يلقي التحية على مالك المكتبة و يغادر، ها هو يفتح الباب لكن، ما هذا الذي يسمعه فجأة ؟! هو بكاء طفلة ؟ لكن لا توجد طفلة هنا ؟! هل يعقل أنها تلك الفتاة ؟ كانت الإجابة واضحة له بعد أن استدار ليراها جالسة على الأرض و هي تبكي كالأطفال ،،، أريد الكتاب أنا أريد الكتااااااب ، لا يمكنه أن يأخذ هدية أمي بعيدا ،،،،
ما هذه الرعشة الغريبة التي تغمر قلبه و هو يسمعها تقول أمي، رعشة قادته إليها مجددا، ينحني يكلمها، يسألها، إذا ما كانت تريد الكتاب لوالدتها، لترد عليه ببراءة الأطفال تهز له رأسها و هي تحك في عينيها تمسح الدموع عن خديها...
ها هو يمسك بيديها ليضع الكتاب بينهما، و يخبرها انه يتمنى لو فعل مثلها ذالك اليوم.... غادر المكتبة بسرعة كأنه يهرب من شيء ما لتعلو علامات الحيرة وجهها هي هذه المرة.
تلحق بيه تريد أن تشكره على نبل أخلاقه لكنه لم يكن هناك عندما فتحت الباب ، و كأنه تبخر فجأة و لولا الكتاب بين يديها لما تأكدت أنه كان حقيقة ......
لا تزال تقف أمام واجهة المكتبة و هي تنظر إلى نهاية الشارع، ترى نفسها ذلك اليوم تجري عائدة للمنزل و هي 
تضم هدية والدتها إلى صدرها، متناسية ما حدث معها، دون أن تعلم أنه سيأتيها يوم كهذا تعتبر فيه ما حدث ذكرى عزيزة على قلبها....
و هناك في تلك اللحظة تنتهي أول ذكرى جمعتهما و هي تسأل نفسها ماذا لو لم نلتقي ذالك اليوم ؟ 
كالعادة هذه الأسئلة تسألها و هي تعلم أن لا إجابة لها ، فقط تنظر إلى الأفق البعيد و تبتسم و تكمل طريقها فلقد تأخرت على عملها ...
ها هي تقترب من الحضانة ، تلمح الأمهات و هن يوصلنا أطفالهن ، تزيد من سرعة خطواتها و ترسم تلك الابتسامة المشرقة بشعاع طيبتها و حنيتها على الأطفال ، الذين أصبحوا جزءا من حياتها منذ أن فتحت تلك الحضانة قبل عدة شهور ،،،،
قد يعتبر من حولها أنها فتحت تلك الحضانة كمشروع مربح ، رغم استغرابهم لماذا فتاة درست علوم القانون تقوم بهذا ، لم يعلموا أنها أحبت أن تعيش حلم أحدهم ، فكانت ترى بسمته في كل بسمة طفل ، و تتذكر ذلك الحزن الذي كان يملئ عيونه في كل دمعة طفل ... أرادت أن ترافقها ذكراه دائما هكذا اختارت أن تعيش حياتها 
لم تكن ذكراها الوحيدة و لم تعش ذلك النوع من الأيام قليلا بل كثيرا ، فالأماكن التي جمعتهما باقية تحفظ بين جدرانها : أصواتهما و لقاءاتهما، ضحكاتهما و حتى حزنهما ، كذلك الشارع مثلا ، فهي تهم بقطع الطريق ، تريد أن تذهب إلى هناك ، تشتاق لشرب فنجان قهوة من ذلك المحل الأنيق الموجود في طرف ذلك الشارع ، تريد أن تجلس على ذلك الكرسي فربما عطره مازال عالقا هناك .
تتردد كثيرا لكنها تقطع الشارع أخيرا، تخطو أولى خطواتها فيه، مع انه كان يوم مشمسا إلا أنها تنظر إلى السماء لترى غيوم ذلك اليوم: 
سماء غائمة تبشر بنزول مطر لكنها لا تبالي فهي تريد أن تتسوق ، لكن كأنها تلمح وجها مألوفا ، إنه ذلك الشخص من ذالك اليوم عليها أن تشكرها على الأقل أو تعتذر على بكائها أمامه لذلك تسرع تريد اللحاق به ، و لم يكن صعبا عليها و هو يمشي بخطوات هادئة ثابتة ، يتوقف لحظات يريد شراء الجريدة ، ليتسلى بها و هو يشرب فنجان قهوته المعتاد . 
كانت فرصتها تسرع أكثر ، ها هي تقف جنبا إلى جنب معه ، تتحقق من وجهه ، انه هو ، ليست من الأشخاص الذي يفكر كثيرا قبل أن يبادر بعمل ما ، كانت كمن يدخل حياته عنوة ، و هي تمسك بذراعه بكلتا يديها ، و تطرب أذنيه بضحكاتها اللطيفة ، تسأله إذا ما كان يتذكرها ، 
أمعن النظر فيها ، إنها هي تلك الفتاة الباكية ، ماذا تفعل هنا ؟ لماذا تمسك بذراعي هكذا ؟ هل أسألها ، أم أتجاهلها ، هو كان يفكر بأي سؤال يبدأ به ، لكنها أجابته عن كل تلك الأسئلة بلمح البصر ، فهاهي تذكره بذلك اليوم و تتحدث بخجل عن بكائها و سببه و عن حب والدتها لذلك الكتاب ، و عن أسفها أنها لم تستطع شكره، و سعادتها أن الفرصة أتيحت لها لتفعل ذلك اليوم ،،
تضع يدها بيده ، أمر غريب بل عجيب ، يتلفت حوليه و كأنه يخاف أن يلمحه أحد ، كيف لشخص يعيش وحيدا لا يكلم حتى خدمه أو الموظفين في شركته أن يمشي ممسكا بيد فتاة هكذا ، و لكن لماذا لا يقول لها شيء ؟ لماذا يتبعها بل ها هو يدخل معها المحل و يجلس معها على نفس الطاولة ، يحاول أن يكلمها ، لكنها مشغولة بمناداة النادل ، تسأله ماذا يحب أن يشرب ، فهي تريد رد الجميل لهذا تدعوه... مع أن تصرفها كان غريبا لكن تصرفه كان الأغرب لأنه أجابها انه يحب القهوة ،
لم يسألها شيء، بل اكتفى بسماعها تتحدث ، فلقد كانت تتحدث كثيرا ، بل كثيرا جدا ، مع انه لم يفهم أغلب ما كنت تحدثه عنه إلا انه كان يجلس بهدوء يشرب قهوته المعتادة , لكن كانت هي جريدته لذلك اليوم . 
كان لابد أن تنتبه أنها تحدثت كثيرا ، لهذا حان الوقت لتهدأ قليلا لترتسم ملامح خجولة على وجهها ، جعلته يبتسم لها كأنه يشاهد لوحة ما ، يتمعن في النظر إليها و يحاول أن يفهم ألوانها و خطوطها .
تصل إلى المحل أخيرا تفتح الباب لتتذكر كم من مرت فتح لها هذا الباب ، تجلس على تلك الطاولة بالذات و تقابل كرسيه الخالي تطلب فنجان قهوة و تتساءل كم من فنجان قهوة تشاركاه معا يا ترى ؟! لم تحسب عدد المرات حينها لأنها لم تعطها أهمية .
لأنها فتاة اجتماعية تبني صداقات أينما كانت و أينما ذهبت كان مجرد صديق جديد دخل حياتها ، صديق تعرفت عليه واجتمعت به صدفة ، هي كانت تذهب مرة أو مرتين في الأسبوع إلى ذلك المحل تلتقيه هناك في نفس المكان فتحييه و تجالسه و تشرب معه فنجان قهوة ، تنعته بالرجل الآلي الذي لا يتكلم كثيرا ، و يجيب عن الأسئلة التي تسأل عليه فقط . هكذا كان بالنسبة لها فقط ،
لكنها بدأت تفكر أنها لو علمت وقتها أنه و دون أن يشعر بدأ يكن لها مشاعر، أصبح ذهابه ليس لشرب القهوة فقط بل للقائها، و كم من مرة انتظرها لكنها لم تأتي، أصبحت رؤيتها و سماع حديثها الذي لا ينتهي مصدر سعادته.
ودعت تلك الذكريات مجددا مع آخر رشفة من فنجان قهوتها ، و غادرت لتكمل يومها مع أسرتها ، عليها أن تسمع لطلبات والدتها التي أصبحت بصيغة الرجاء في أن تقبل الزواج من احد من الكثيرين الذين تقدموا لها ، و هي تخبرها انه سيأتيها يوم قد تندم عندما تجد نفسها وحيدة في هذه الحياة ، لكنها كعادتها تبتسم لوالدتها و تتحجج بتعبها و تدخل غرفتها تقرأ القليل من كتابها ثم تغط في نوم هادئ علها تراه في أحلامها….


مع أنه يزورها في أحلامها كثيرا ، و ذكراه تسكن قلبها و عقلها ، إلا أنها تشتقاه ، تشتاقه في الأيام الممطرة ، كيف و لا و هي تتذكر مرافقته لها لبيتها تحت مظلته ، فهي لم تحمل مظلة يوما ، و مظلاته مكدسة في غرفتها فكثيرا ما أعارها إياها و هي تنسى حتى أن تعيدها ، و الآن هي تحتفظ بها ككنز في ركن من غرفتها .
تشتاقه عندما يحل الربيع و تتفتح الأزهار ، فكثيرا ما كانت تجد باقة من الأزهار على طاولته في ذلك المقهى ، تسأله عنها فيخبرها انه اشتراها لا لشيء و يمكنها أخذها إذا أعجبتها ، و هي من حبها للأزهار تفرح بها و تأخذها لم تكن تعلم وقتها انه كان يختار تلك الباقة وردة وردة من أجلها ...
تشتاقه مع هبوب رياح الصيف الحارة كثيرا ، تشتاق توبيخه لها على خروجها من المنزل في ذلك الجو الحار ، تشتاقه أينما كانت و أينما ذهبت ، لكنها ما زالت تأمل في أنها قد تراه يوما ما ...
هكذا تمر عليها الأيام و الفصول ، شتاءان باردان يمران من غير أن تحس بدفيء قلبه حولها ، تنظر من نافذة غرفتها وقت الغروب لترى شابا يمسك بيد حبيبته يبدو انه يوصلها إلى منزلها ، راقبتهما حتى غابا عن ناظرها ، أعادها ذلك المنظر إلى ذلك اليوم البعيد ، يوم خانها فيه قلبها ...
ذلك اليوم كان صباحه جميل بشمسه المشرقة، و منعش بنسماته العليلة، استيقظت فيه و كلها نشاط فقد تخرجت و ستبدأ رحلتها في البحث عن وظيفة تليق بها ، لكن كان عليها المرور بالمقهى أولا ، فقد أصبحت عادة .. بل أصبحت رؤيته كل يوم ضرورة ملحة لها لكنها لم تسأل نفسها لماذا ذلك ؟ لماذا عليك رؤيته و إلا لن يكتمل يومك ...
أما هو فكان ينتظرها بلهفة العشاق ، لقد أنهت دراستها ، و لا يوجد مانع من مصارحتها بمشاعره الصادقة نحوها ، ها هو يراها تدخل تلوح له و تبتسم له ، يكاد قلبه أن يغادر صدره فقط ليضمها و يرحب بها ، لكنه يكتفي فقط بالوقوف لها و الجلوس بعد أن تجلس هي .....
على غير عادته يفتح هو الحديث أولا ، يخبرها عن والدته كم كانت عزيزة على قلبه ، و كم كان صعبا عليه أن يعيش بعدها و هو يحمل ذنب موتها ، تدمع عيناها و هو يحكي لها عن حب والدته لرعاية الأطفال ، و عن حلمها في فتح حضانة لهم ، فجأة يصمت و ينظر إلى عيناها بعينيه الغارقتين بالدموع ، ثم يخبرها عن سر ذلك الألم الدفين في قلبه ....
يخبرها كيف ماتت والدته في ذلك الطريق العام و هي تحميه من سرعة سيارة رجل طائش. يحكي لها كيف كان عليه رؤية دماء والدته بعد أن دفعته بعيدا ... كان عليها أن تواسيه ذلك اليوم لكنه كان هو من واساها ، يخبرها انه وجد في ابتسامتها و طيبة قلبها و جمال روحها ، قلب الأم الذي فقده ...
مازالت تقف عند النافذة تبكي مثل بكائها ذلك اليوم ، تمسح دموعها بمنديله الذي مسح به دموعها و تركه بين يديها ، إنها تبكي ندما ، تلوم قلبها الذي لم يعترف به يومها ، تلوم لسانها الذي نطق بتلك الكلمات التي علها جرحت قلبه ، 
تضع يدها على صدرها الذي ضاق عليها و هي تتذكر اعترافه بحبه لها ، يخبرها انه يريدها شريكة لحياته ، يعدها بأن يسعدها لأخر يوم من عمره ،،،، لكنه اصطدم وقتها بحائط صمتها و ارتباكها ، لم تعرف ماذا تجيبه !! 
و كان جوابها تأسفا و اعتذارات لم يفهمها قلبه ، ثم طعنت قلبه بتلك الكلمات التي كانت أقسى من سكين حاد كان جوابها بصيغة السؤال عندما قالت له : كيف لي أن ارتبط برجل لا أحبه ؟!
ها هي تسقط أرضا و هي تبكي و تبكي و تبكي، هل كان سيكون معها الآن لو سألت نفسها أو قلبها ذالك السؤال قبل أن ينطق لسانها بذلك الجواب ؟! 
* هل كنت أنت ؟! * هل كنت أنت حبي الأول ؟ هل كنت أنت نصفي الثاني ؟ هل كنت أنت من علي أن أكمل معه حياتي ؟ 
تأخرت في طرح ذلك السؤال كثيرا، لهذا تأخرت لتعرف إجابته،
هو كان رجلا رزينا خرج من قوقعته بسببها، و كان عليه العودة إليها بسببها أيضا ، هو لم يلمها ، و لم يفرض نفسه عليها ، بل لام نفسه لأنه تمنى أن يملك فراشة مثلها ، فمكان عليه إلا الانسحاب بعيدا من حياتها . فلم تعد تراه أو تسمع عنه شيئا، أصبح يشغل تفكيرها صباحها و مساءها، تريد رؤيته، تشتاق محادثته، ترغب في الاطمئنان على صحته ؟ لكن أين هو ؟ فلقد اختفى و ترك فراغا يكبر يوما بعد يوم ، فراغا بدأت تملؤه بالتساؤلات ، و الاشتياق ، و الذكريات ..
كانت ليلة الذكريات ممطرة بدموع الندم و الاشتياق عنوانها émoticône kiss ليت الذي كان ما كان* ، لكنها ليلة عابرة مثل غيرها ، يليها صباح و مساء و ليال كثيرة ، هي حياة و الحب جزء منها و ليس كلها ، حياة تتغير فيها الأحلام بين ليلة وضحاها فمن رغبة في فتح مكتب محاماة إلى فتح حضانة للأطفال هكذا هي تخلت عن حلمها لتحي حلم أعز الناس على قلبه ... يكفيها أنها طعنت قلبه مرتان ...
تتصل بها والدتها ذات يوم لتطلب منها طلبا بسيطا ، لكنه كان عظيما بالنسبة لابنة تعيش على الأطلال ، تطلب منها أن تجلب لها نتائج فحوصاتها من المستشفى ، تقبل برحابة صدر و تتجه إلى المستشفى بعد انتهاء دوامها ، ها هي تدخل من الباب الرئيسي للمستشفى، إنها نفس الأضواء و الأروقة ، و تبدو الوجوه مألوفة !! نعم إنها تلك المستشفى .....
و كأنها أصيبت بدوار ليس بسبب رائحة المشفى و لكن بسبب تلك الذكريات الأليمة ، تجلس على أقرب كرسي تلمحه ، تنظر إلى فريق الطوارئ و هم يركضون مع مرضاهم ، و كأنها ترى نفسها على ذلك السرير المتحرك بعد ذلك الحادث الكبير ، تغمض عينيها لعلها توقف تلك الذكريات ، لكن ها هي تعود إلى ذلك الوقت من ذاك العام ....
خرجت في طريقها الى مكتب أحد المحامين الذي بدأت تتدرب عنده منذ وقت ليس ببعيد ، توقف سيارة أجرة ، و تجلس جانب النافذة تنظر هنا و هناك لتسلي نفسها ، لكن ها هي تلمحه من بعيد ، انه هو أجل هو و كيف لها أن تخطئه ، يدخل مقهى غير الذي اعتاد ،، لا مجال للتفكير بل لا وقت للتفكير ، تطلب من السائق أن يتوقف ، بل ترجوه أن يتوقف ، تريد أن تراه ، أن تسمع صوته ، أن تخبره بأشياء كثيرة ، تدفع مبلغا لم تحسبه حتى ، تركض غير مبالية بتحذيرات السائق من السيارات ، لكنها كانت بعيدة و كأن الطريق تمتد و السيارات لا تنتهي ، ما العمل ها هو يغادر المقهى ، أين و متى يمكن أن تحدث صدفة مثل هذه مرة أخرى ،
لا تجد من يساعدها الا صرخاتها منادية باسمه راجية أن يسمعها و يلتفت لها ، و تحقق ما أرادت ، سمع صوتها الذي يكاد يموت شوقا له ، يستدير أملا أن لا يكون حلما و أن يرى وجهها الجميل ، و تحقق ما تمناه هو أيضا ، لكن فرحتها كانت اكبر لم تصدق انه توقف ، تناست العالم من حولها ، و كأنها لم ترى سواه في الطرف الأخر من الطريق ، تسرع ناحيته ، لكن هو يكاد قلبه ينفجر خوفا عليها ، يطلب منها الانتباه و أن تتوقف مكانها ، لكن ...لكن ... ها هي تطعنه للمرة الثانية، عندما تسببت لنفسها في ذلك الحادث المرير، ها هو يعيش تلك اللحظات المريرة للمرة الثانية،.... و هو يراها ممدة على الطريق غارقة في دمائها.....
كيف له أن يرى أعز الناس إلى قلبه بذلك المنظر دائما، يريد أن يذهب إليها ، لكن يداه ترتجفان ، و رجلاه متجمدتان ، يخاف حتى أن يفكر أنها قد فارقت الحياة ... يقف بعيدا كالغريب و هو يرى الناس تلتف حوله ، حتى لم يعد قادرا على رؤيتها ،
تفتح عينيها لتغيب عنها آخر ذكرى تحملها عنه ، مع أنها استرجعت عافيتها بعد ذلك الحادث ، إلا أنها فقدته مرة أخرى، بحثت عنه كثيرا و كل من يعرفه قال انه غادر البلاد ، لا أحد كان يعرف لماذا ، لكنها كانت تعلم أنها السبب 
هو لم يسأل عنها لم يرد أن يعرف فكل الإجابات كانت ستوصله لنهاية مسدودة، لو سمع خبر موتها، سيتحطم، و إذا نجت عليه أن يبتعد عن حياتها فهو أحس انه نقمة على من يحبهم.... فاختار الابتعاد و أن يتعذب و هو لا يعرف الإجابة على ذلك السؤال : هل عاشت أم فارقت الحياة ؟!
تمالكت نفسها و أحضرت فحوصات أمها و غادرت المستشفى لتعود إلى حياتها من جديد ،،، تقف على طرف الشارع تنتظر مرور سيارة أجرة ، لكن الطريق مزدحم فكان عليها الانتظار .... تنظر شمالا و يمينا إذا بها تنتبه لشخص في الجهة المقابلة ، لكن هي تعرف ذلك الوجه ، تعرفه جيدا ، و تتأكد عندما تتقابل أعينهما أخيرا ،...
لا هي تصدق و لا هو يصدق فهو جاء بضع ساعات فقط ليرى والده الراقد في المستشفى بعد أن طلب رؤيته ، فكيف له أن يراها في ذالك المكان و كأنه ذلك اليوم و كأن تلك السنتين لم تمرا فها هي واقفة و بينهما طريق مزدحم بالسيارات و كأنها نفس اللحظة تعود من جديد و لا هي تصدق انه واقف هناك ، تدمع عيناها بل تكاد تجهش بالبكاء ، هو لا يفكر إلا في شيء واحد ، اياكي أن تعبري ذلك الطريق أرجوك لا تفعليها مجددا ، ليس و قد رأيتك على قيد الحياة ،،،
مع أنه كان أبعد من أن تسمعه لكن يكفي نظراته المرتعبة عليها لتفهمه ، ها هي تبدأ في المشي على ذالك الرصيف و هو يمشي جنبا إلى جنب معها في الجهة المقابلة ، لا يعلمان أين ستكون نهاية ذلك الشارع و أين سيلتقيان ، المهم أنهما تقابلان ،، كان ذالك الشارع أطول مما كان يعتقدان ، لم يشفق على لوعة شوقهما و دموع حبهما ، لكن كان لابد له أن ينتهي و ها هما يتقابلان لا يفصل بينهما إلا بضع خطوات ،،،،
هل أبدأ أنا الكلام أم أنتظرها هي أن تبدأ الكلام ، أما هي فتنظر إلى عينيه و هما يبحثان عن خاتم ما في إصبعها ، فتبتسم و ترتمي في حضنه دون أن تسأله شيء أو حتى تفكر في أي شيء ، هو هنا انه هنا ماذا أريد أكثر من هذا ، أما هو فقد أذاب دفئ حضنها جليدا تراكم عل قلبه أيام و ليال طوال ...
تنظر في عينه و يرى شفتاها تتحرك تريد أن تخبره بشيء: لقد كنت أنت،،، أنت من أحببته و مازلت أحبه ♥
لقد طرحت على نفس ذلك السؤال: ♥ هل كنت أنت ؟ ♥ و ها أنا أجيب نفسي و أخبرك : ♥ نعم لقد كان أنت ♥
ضمها إليه بشدة و دموعه بللت فستانها، فصدره لم يتسع لفرحته برؤيتها حية ترزق ، فكيف له أن يتسع لسعادته بحبها له ؟! فاختصرت دموعهما كل الكلمات ...
لقد عاد إليها... ♥ عاد و عادت معه روحها♥ و كل شيء جميل في حياتها♥ ، لقد وجدها ♥ و وجد سعادته معها ♥ و كأنهما ولدا من جديد ♥ ...........
هكذا كانت قصة حبهما و هكذا أكمل حياتها ♥
النـــــــــهــــــــــــــاية


شكرا لكم على حسن المتابعة أحبائي
‪#‎Nassi‬ 
__________
هذه كانت اول قصة قصيرة من تأليفي أتمنى انها لاقت اعجابكم ، كانت فكرة جديدة و أسلوب جديد ، طرق مخيلتي فجأة فأحببت أن أشارككم به ،،،

No comments:

Post a Comment